النوافذ والإضاءة في التصوير السينمائي

يهتم مدراء التصوير بطبيعة أماكن التصوير التي يختارونها بعناية، إذ أنهم يأخذون بعين الاعتبار طبيعة الإضاءة في ذلك المكان، حركة الشمس وتأثيرها على المكان، وماهي العناصر الموجودة فيه، كما يسعى مدراء التصوير إلى البحث أيضاً عن لوكيشن/موقع تصوير يحتوي على النوافذ الواسعة والكبيرة إذ أنها تُسهم في تَسهيل عمل الإضاءة وآلية توزيعها، في مقالة اليوم سنتعرف معاً إلى أهم طريقتين للتعامل مع النوافذ أثناء اتخاذ الكوادر وتوزيع وضبط الإضاءة.

النوافذ والإضاءة في التصوير السينمائي
THE LAST BLACK MAN IN SAN FRANCISCO (2019)

لماذا نعتبر النوافذ عنصراً مهماً في التصوير السينمائي ؟

في الحالة الطبيعية، إذا كنا في منزل أو مكان عمل أو مكان داخلي – Interior، فإن أكثر مصدر منطقي للإضاءة الطبيعية هي النوافذ، منها يدخل ضوء الشمس/الضوء الخارجي، وبها نتحكم بمقدار الإضاءة عبر التحكم بحجم النافذة، طبيعة الزجاج فيها، وما يعلوها من ستائر.

لماذا نعتبر النوافذ عنصراً مهماً في التصوير السينمائي ؟
THE FATHER (2020)

الآن مارأيكم لو قلنا، أنه من الممكن لنا إنارة موقع التصوير بشكل شبه كامل، دون ملئ المساحة الداخلية بإي ضوء وكابلات ومعدات وغيرها، مع المحافظة على إتجاه واحد للإضاءة بشكل متناسق وذلك عبر نوافذ واسعة كفايةً لدخول الضوء، ومنه نرى الأهمية التي يوليها السينمائيون للنوافذ في مواقع التصوير.

عودة للخطوط الأولى

سابقاً تكلمنا في مقالة التعريف بمصطلح Framework، وهي مقالة مقتبسة عن السينمائي Patrick O’Sullivan من حلقات البودكاست الخاصة به Wanderingdp، وعن نمط وآلية العمل التي تُسهل علينا من خلال مجموعة ثابتة من القواعد، الوصول إلى مادة سينمائية مليئة بالعمق البصري.

أود التنويه إلى ضرورة إستحضار ما شرحناه في مقالة ماهي نقطة التحكم – Point of Control، و مقالة التعريف بالإسلوب الصحيح في إختيار زاوية الإضاءة، حيث سيلعب كل من النقطتين دوراً مهماً في تحليلنا ودراستنا للإضاءة عبر النوافذ ضمن مقالة اليوم.

ملاحظة : في هذه المقالة نحاول معاً مناقشة الإحتمالات وتَبعاتها، بالطبع يعود الموضوع في الدرجة الأولى إلى الخيار الإبداعي في طريقة تصوير اللقطات وعدم أو ضرورة وجود النوافذ وإستخدامها بالشكل المذكور في المقالة مع عدم نسيان تغير السيناريوهات التي لاتعُد ولا تحصى لو أردنا ذكر كل إحتمال ممكن، لكننا نود التنويه إلى بعض تلك الإحتمالات والحيل التي يتم إستخدامها في مثل هذه اللقطات.

الطريقة الأصعب : التصوير بإتجاه النوافذ

إلا إذا لم تكن السيد روجر ديكنز – Roger Deakins شخصياً، فإن هذه الطريقة تعتبر من أصعب الطرق لإستخدام النوافذ والتحكم بالإضاءة من خلالها، وهي طريقة تنص على أن نقوم بالتصوير بإتجاه النوافذ، ما يعني أنه علينا التعامل مع كمية كبيرة من الإضاءة الخارجية ومحاولة موازنة مافي الخارج مع مافي الداخل من مستويات إضاءة، وهو ما يعتبر عمل صعب يحتاج خبرة كبيرة من مدير التصوير.

الطريقة تنص هنا على إستخدام النافذة كمصدر إضاءة لموقع التصوير وما خلف الممثل، في حين يتوجب علينا موازنة كمية التعريض بإستخدام إضاءة داخلية ناعمة أو ملائمة لطبيعة المشهد الذي نعمل عليه.

النوافذ والإضاءة في التصوير السينمائي
HAIL, CAESAR! (2016)

لنقم معاً بتحليل سريع للقطة التالية من فيلم HAIL, CAESAR! (2016)، نظراً لكمية التعريض التي تحتويها الصورة في الخلفية وخارج النوافذ، فإن آلية عملنا تُلخص في نقاشنا حول مرحلتين:

أولهما، يمكن لنا التصوير بقيمة فتحة عدسة ضيقة أعلى من T/5.6، وذلك لتحقيق مفهوم نقطة التحكم – Point of Control على النافذة ذاتها، لكن ذلك سيولد لنا مشكلة وهي أنه سنحتاج إلى كمية إضاءة كبيرة في الداخل، وثم يجب علينا تشتيتها لجعلها تلائم طبيعة المشهد ككل، ولا يظهر منبع وجهة الضوء الداخلي بشكل واضح على الممثل وفي موقع التصوير، ناهيكم عن فقداننا لعزل الشخصية عن الخلفية وما يحيطها، وذلك قد يسبب بعض المشاكل.

ثانيهما، إستخدام رولات الـ ND لتخفيف السطوع في النوافذ، وتخفيف التفاوت الكبير بين الداخل والخارج، ما سيسمح لنا بالتصوير بفتحة عدسة أقل من T/8، ما يعني قدرتنا على توفير عزل في اللقطة، وهو ما نلاحظه في الصورة أعلاه، وتقليل الكمية الكبيرة التي كنّا سنستخدمها من الإضاءة في الخيار الأول.

الطريقة الثانية : النوافذ وزاوية الغرفة

ناقشنا بشكل مختصر جداً الطريقة الأصعب لعملنا مع النوافذ في موقع التصوير، الآن ننتقل إلى الطريقة الأسهل والأكثر عملية، حيث تكلمنا سابقاً عن ضرورة بناء العمق البصري في الصورة من خلال الحرص على إظهار زاوية الغرفة في الصورة والتي أسميناها L Of The Room، ذلك سيسمح لنا بتحويل الصورة من شكلها ثنائي الأبعاد إلى شكل أقرب ما يكون إلى ثلاثي الأبعاد نظراً لتوفر خطوط التوجيه التي ستظهر لنا فيها.

النوافذ والإضاءة في التصوير السينمائي
(Gone Girl (2014

الآن يمكننا عوضاً عن التصوير بإتجاه النوافذ بشكل مباشر، يمكننا إما إستخدام النافذة كمصدر إضاءة للخلفية خلف الممثل، ثم إضافة إضاءة يمين أو يسار الكاميرا (بحسب موقع النافذة في المشهد)، كما في المثال أعلاه من فيلم (Gone Girl (2014 أو الأمثلة أدناه :

أو يمكن لنا إستخدام أسلوب النافذتين للإضاءة، وهي الطريقة التي تنص على ضرورة وجود نافذتين منفصلتين أو نافذة كبيرة وعريضة كفايةً في موقع التصوير، بحيث تكون النافذة الأقرب للكاميرا خارج الإطار، وستكون إضاءة الممثل مباشرة منها، والنافذة الثانية الظاهرة في الكادر/الإطار، هي النافذة التي ستضيء موقع التصوير.


رسالة من شركائنا

قدمت لكم هذه المقالة بدعم من منصة FrameSet، لربما تسائلت عن مصدر الصور واللقطات من الأفلام الموجودة في هذه التدوينة، وكيف أمكننا جمع كل تلك الصور التي تتعلق بالنوافذ، بطريقة تخدم دراستنا اليوم، FrameSet هي مكتبة بصرية سينمائية متكاملة للمخرجين ومدراء التصوير، تحتوي على أرشيف من اللقطات المؤرشفة والقابلة للبحث بحسب عدة تصنيفات، وتضم كل من الإعلانات، الفيديو كليبات، والأفلام السينمائية، لمزيد من التغذية البصرية لصناع الأفلام، بإمكانكم تصفح المكتبة مجاناً وتجربتها كما بإمكانكم الحصول على خصم 25% من خلال إشتراككم في المنصة عبر رابطنا التالي : هنا


مشهد تحليلي

بالعودة إلى فيلم HAIL, CAESAR! (2016) للسينمائي روجر ديكنز، نرى سيناريو مميز جداً لدراسة طريقة مميزة في إستخدام النوافذ في المشاهد، دعونا نشاهد المشهد معاً ثم نقوم بتحليله بشكل سريع لقطة بلقطة :

للمزيد حول إضاءة Cove Lighting بإمكانكم زيارة مقالة سابقة قمنا بنشرها عبر موقعنا :

Image

الستائر وأهميتها

للستائر أيضاً عامل مهم جداً في تحديد التعريض وكمية الإضاءة التي تدخل من خلال النافذة، بالطبع الأمر يشبه بشكل تقريبي الطريقة التي نتعامل مع الستائر في الحياة العملية، لكن هنا يمكننا تقسيم الستائر إلى نوعين، النوع الأول وهو النوع الحاجب للضوء، والذي يمنع الضوء من الدخول، بالتالي سيخلق لنا قَطع في الإضاءة التي تدخل عبر النافذة نحو الداخل، والنوع الثاني وهو النوع الأبيض الرقيق الذي يحجب ما خارج النافذة، ويشتت الإضاءة ويجعلها متساوية، ليس هذا فقط بل تُسهم الستائر بنوعيها بكسر الجمود في شكل النافذة المعتاد ويخلق تباين ضوئي ولوني ويضيف مزيد من العمق والتفاصيل في المشهد، كما تُسهم في إضافة المزيد من الألوان في اللقطة ما سيسهل على فريق الإنتاج وفريق الديكور توزيع الألوان بشكل أسهل.

TED (2012)

في المثال أعلاه مثلاً من فيلم TED (2012)، ساهمت الستائر في إبقاء بعض من التعريض الضوئي القادم من النافذة، لكنها حجبت رؤية ما يوجد في الخارج، دعونا نقارن بين نسب التعريض على الستارة وبين نسب التعريض في الخارج، لاحظوا كيف أن التعريض في خارج النافذة، وصل الحد الأعلى من حدود التعريض الكليبنغ – Clipping ولم نعد نستطيع رؤية أي تفاصيل، لاحظوا أيضاً كيف ساهمت الستائر بالمقدار الذي تُخفيه والمقدار الذي تركته من النافذة، بتوجيه أنظارنا نحو الطفل.

شاهد الأمثلة التالية أيضاً :

في الختام، أحببت مشاركتكم لدراسة بسيطة لإشهر طريقتين لإستغلال النوافذ في التصوير السينمائي وتوزيع الإضاءة، من المهم الإطلاع على كل الإحتمالات والنماذج بالطبع، كما من المهم أيضاً فهم تأثير إتخاذنا لقرار إستخدام أحد النمطين عند تشكيل الكادر قبل توزيعنا للإضاءة وفهم التبعات المترتبة على كل خيار، إذا كان لديكم أي إضافات، أتمنى أن تشاركونا إياها في التعليقات أدنى هذه التدوينة.

أود تذكيركم أنه في حال وجدتم أي إستفسار، بإمكانكم أيضاً إرسال إستفساراتكم من خلال الضغط على تواصل معنا، كما بإمكانكم متابعتنا عبر حسابنا في إنستاغرام للمزيد من المحتوى الحصري.
دمتم مبدعين.

هل أعجبتك المقالة ؟ شاركها مع أصدقائك ..

عبد الهادي العاني
عبد الهادي العاني

مصور سينمائي سوري مقيم في إسطنبول، ملتزم بتعزيز المحتوى العربي من خلال مشاركة المعرفة والخبرة في الجانب التقني من صناعة الأفلام.

المقالات: 176

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *