طرق وأنواع في الإضاءة : The Bar Scene

في مقالة اليوم نتحدث معاً عن نمط من أنماط المشاهد السينمائية المتكررة في العديد من الأعمال، وما هي الاحتمالات الواردة في إضاءة هذه المشاهد، وكيف تؤثر خياراتنا على طبيعة وحالة المشهد وآلية تنفيذه، في مقالة اليوم نناقش معاً مشاهد تعرف إختصاراً بـ The Bar Scene، ماهي هذه المشاهد وما المميز فيها.

La La Land (2015)

بداية : ما المقصود بـ The Bar Scene ؟

بداية وقبل البدء في الخوض في تفاصيل المشهد، يجب علينا تعريف ما المقصود بمصطلح The Bar Scene، تكلمنا مسبقاً في مقالات متتالية عن أهمية تحديد خط قاعدة 180 درجة قبل البدء بتوزيع الكاميرات والإضاءة، وتكلمنا أيضاً عن أهمية التصوير في طرف الظلال من ذلك الخط، بمعنى أن نكون مع الكاميرات على طرف، وأن تكون الإضاءة على الطرف المقابل لخلق مزيد من الظلال في اللقطة، وهو ما أسميناه Upstage key lighting.

لكن في مقالتنا اليوم، سيختلف الحديث بشكل بسيط، حيث أننا سنتعامل مع مشهد، تنظر فيه الشخصيتين (أحياناً أكثر) إلى ذات الجهة أثناء قيامهما بالحوار أو التفاعل مع بعضهما البعض، ومن هنا أتت تسمية هذا النمط من المشاهد إختصاراً بـ The Bar Scene، في هذه المقالة سنقوم بالنقاش حول آلية التعامل مع هذا المشهد، أين ستكون الكاميرا وأين ستكون الإضاءة، ومنه سنختصر آلية تعاملنا مع مشاهد The Bar Scene في سؤال، تحدد طبيعة الإجابة عن هذا السؤال آلية التعامل مع المشهد مستقبلاً.

طرق وأنواع في الإضاءة : The Bar Scene | مدونة رديف
THE BATMAN (2022) للسينمائي : Greig Fraser

الخط الأحمر الأساسي أين هو ؟

لربما يعتبر تحديد خط قاعدة 180 درجة، هو أهم عامل يتوجب علينا تحديده، عادةً إذا كان لدينا شخصان في مشهد حواري ما، فإن خط قاعدة 180 درجة ببساطة هو خط النظر بينهما، لكن فيه حالتنا هذه لايوجد خط نظر حيث أنهما ينظران في ذات الإتجاه، في حالتنا هذه يبقى الخط بين الشخصيتين ولو كانت الشخصيتين تنظران بإتجاه واحد، لكن تختلف آلية التعامل كلياً مع آلية تموضع الكاميرات والإضاءة.

ماهي الخيارات المطروحة لدينا ؟

في حالتنا هنا (The Bar Scene) ومع تحديدنا لخط قاعدة 180 درجة، يبقى لنا السؤال الأهم والفاصل، أين ستكون كاميراتنا؟ في هذه الحالة يوجد لدينا خيارين فقط، إختيارنا لإي من الخيارين سيؤثر بشكل كبير على طبيعة المشهد ككل، وعلى الصيغة التي سنقوم بالتعامل مع هذا المشهد أكان من ناحية الإضاءة، او حتى من ناحية إتخاذنا لكامل لقطات المشهد.

الخيار الأول والأسهل : الكاميرا خلف الممثلين

يتمثل خيارنا هنا بالطريقة الأسهل والأسلم لنا، طريقة تُسهم في بناء مزيد من العُمق، تتجلى تلك الطريقة بإن تكون الكاميرا خلف الممثلين، كما نشاهد في اللقطات الثلاث أدناه من فيلم Never Let Me Go، حالما قمنا يإختيار هذا الخيار يصبح لدينا أسلوب عمل سهل نوعاً ما، بداية كالعادة نبدأ تصوير اللقطة الواسعة، ومنه نقوم بتحديد زاوية الكاميرا وما سنراه، ماهو مصدر الضوء الأساسي وجهته وطبيعته ولونه وخصائصه، وهو ما سيبرر لنا طبيعة الإضاءة التي سنستخدمها حين إنتقالنا إلى اللقطات الأضيق ( الكلوز أب، و الميديوم ).

يمكن للقطة الوايد – الواسعة أن تكون أحد خيارين أيضاً، وهنا أود التوضيح إلى ضرورة تحديد هذه الخيارات ودراسة كل خيار على حدى، من خلال رصده في أعمال وأفلام ومسلسلات نشاهدها، بحيث نستطيع رؤية الطريقة التي تم إختيارها وفقاً للنص وطبيعة المشهد.

  • أحد خياري اللقطة الواسعة :هو أن تكون الكاميرا العامة متوازية مع خط 180 درجة، وتظهر الممثلين من الخلف تماماً، ذلك سيتيح لنا أن نظهر كامل الطرف المقابل للكاميرا، لذا ففي هذه الحالة، سنحتاج إلى إضاءة براكتيكال في الطرف المقابل لتكوّن إضاءة اللقطة، وتبرر إستخدامنا للإضاءة في اللقطات الأضيق.
طرق وأنواع في الإضاءة : The Bar Scene | مدونة رديف
EX MACHINA (2015) في هذه الحالة، السماء هي إضاءة البراكتيكال.

في المثال أدناه، نلاحظ ظهور كامل الكادر من خلف الممثلين، ويظهر في الكادر إضاءة البراكتيكال المتمثلة في الإضاءة الناعمة الصادرة من غرفة البخار، وهي التي ستبرر لنا لاحقاً إستخدام الإضاءة عند الإنتقال للقطات الميديوم والكلوز.

  • الخيار الآخر : هو أن تكون الكاميرا العامة غير متوازية مع خط النظر، وهو ما سيسمح لنا بخلق المزيد من خطوط التوجيه ومزيد من العمق، كما في المثال أدناه.

ننوه هنا إلى الأهمية الكبيرة لبدئنا بتصوير اللقطات العامة أولاً ثم عملاً نحو اللقطات الأضيق، وذلك لضمان تسلسل وتتابعية الإضاءة بشكل صحيح على كامل المشهد، حيث تكمن أهمية اللقطة العامة الواسعة، أنها مفتاح لتبرير أي إضاءة ستكون في اللقطات، لذا لايمكن تصوير المشاهد الضيقة أولاً ثم عملاً نحو الأوسع، هذا الترتيب مهم أثناء عملية التصوير، ولا يؤثر على ترتيب المشاهد في مرحلة المونتاج، المهم أن يخرج العمل كقالب واحد وروح واحدة، ثم يقوم المخرج بتقطيع وترتيب المشهد حسب المراد، هنا الحديث عن ترتيب تصوير اللقطات وليس تحريرها.

يقدم لنا السينمائي توم ستيرن نصيحة حول تراتبية إنتاج وتصوير اللقطات في الفيديو التالي :

تابعونا عبر منصة إنستاغرام لمزيد من المحتوى : Radyf_Blog

الخيار الثاني : الكاميرا أمام الممثلين

يتمثل خيارنا الثاني هنا بتموضع الكاميرا أمام الممثلين، هذه الطريقة ستؤدي لنمطين في الإضاءة:

  • النمط الأول الإضاءة سيتسبب بخلق حالة من الإضاءة التي تشكل لقطة تفتقر للعمق “فلات”، نظراً لإن الظلال أصبحت في الطرف الآخر من الكاميرا، وجهة الإضاءة تأتي من ذات جهة الكاميرا فتصبح الإضاءة على الوجه متساوية دون أي تباين يُذكر.
  • النمط الثاني في الإضاءة، يقتضي بحصر زاوية الإضاءة من جهة واحدة، يمين أو يسار الممثلين، بحيث تخلق الإضاءة ظلالاً على أحد طرفي الوجه، إما من جهة الكاميرا وهذا الأفضل لخلق مزيد من العمق كما في اللقطة أدناه، أو أن الإضاءة من جهة الكاميرا وفي هذه الحالة قد نواجه مشاكل عند الإنتقال إلى اللقطات الأضيق.
طرق وأنواع في الإضاءة : The Bar Scene | مدونة رديف
DRIVE (2011)

في بداية شهر أوكتوبر من هذا العام، قامت منصة أمازون برايم، بطرح مسلسلها الجديد بعنوان : The Lord of the Rings: The Rings of Power، بصرياً، العمل يحتوي على قوة كبيرة تجعل المسلسل مادة غنية جداً بالمتعة البصرية وتستحق التحليل بكامل تفاصيلها.

إذا ما قمنا بتحليل سريع للعمل، سنجد أن هنالك مشاهد ذو تصنيف The Bar Scene، تتكر مراراً وتكراراً في كامل الجزء الأول من العمل، وليس بشكل عادي بل بشكل مُفرط، بالطبع المشاهد العادي لن يلاحظ أبداً ما الذي يحصل، وما الذي يتكرر أمامه، لكن فور معرفتك بهذه التقنية، لن تستطيع غض الطرف عنها وعن كثرة تكراراتها في المسلسل.

هل التكرار أمر سيء ؟

بالطبع لا، تكرار نمط مرئي من المشاهد في العمل الفني ليس أمراً معيباً، إنما أمر يستحق الإنتباه، ويدعونا نحو مزيد من التحليل لهذا العمل، خصوصاً مع وجود كسر للقواعد المذكورة في مقالتنا اليوم، حيث أنه من الممكن أن يتحرك الممثل بشكل فردي ليغير جهة نظره دون الممثل الآخر، ما يخلق لنا حالة من الدمج بين النموذج الأول المطروح في هذه المقالة والنموذج الثاني :

وفي بعض الأحيان يتم خلق التباين والعمق بشكل كبير جداً في لقطات تكون فيها الكاميرا أمام الممثلين لا خلفهم، وذلك بإضاءة المشهد من يمين الكادر مثلاً و تكون الكاميرا على يسار الكادر، كما في المثال أدناه.

في الختام، مع دراسة هذا النمط من المشاهد، نلاحظ أن لكل مدير تصوير منحى خاص يتخذه لإضاءة وتوزيع الكاميرات في هذه المشاهد، من المهم الإطلاع على كل الإحتمالات والنماذج، كما من المهم أيضاً فهم تأثير إتخاذنا لقرار إستخدام أحد النمطين، على طبيعة اللقطة وإضائتها وآلية تنفيذ العمل على أرض الواقع.

أود تذكيركم أنه في حال وجدتم أي إستفسار، بإمكانكم إرسال إستفساراتكم من خلال الضغط على تواصل معنا، كما بإمكانكم متابعتنا عبر حسابنا في إنستاغرام للمزيد من المحتوى الحصري.
دمتم مبدعين.

هل أعجبتك المقالة ؟ شاركها مع أصدقائك ..

عبد الهادي العاني
عبد الهادي العاني

مصور سينمائي سوري مقيم في إسطنبول، ملتزم بتعزيز المحتوى العربي من خلال مشاركة المعرفة والخبرة في الجانب التقني من صناعة الأفلام.

المقالات: 176

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *