“الفنان الجيد ينسخ، والفنان العظيم يسرق”، هذا ما قاله الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو، لكن ماذا يعني أن يسرق الفنان؟ و كيف تسرق كمدير إضاءة وتصوير؟ وهل يُقصد هنا المعنى الحرفي للسرقة؟

بدايةً توصية بكتاب : Steal Like an Artist
قبل ان نخوض في غمار هذه المقالة المميزة، نستهل هذه المقالة بتوصية لكتاب الفنان أوستن كليون اسرق كفنان، بإعتباره مصدر إبداعي مهم، حيث يقدم هذا الكتاب ميثاقا تطبيقيا في مواجهة مفهوم الأصالة المطلقة، فالكتاب يوضح بأن كل عمل إبداعي هو عمل تراكمي، ولا توجد فكرة جديدة وأصلية بالكامل.
يؤكد الكاتب أن الإبداع ليس عملاً منفصلاً أو خالصاً من العدم، بل هو مسار تراكمي بني على تجارب وإنجازات الآخرين. كما يشير إلى أن جميع الأفكار ماهي إلا مزيج من مفاهيم سابقة، وأن الإبداع يكمن في كيفية جمع هذه الأفكار ومقارنتها وإعادة تشكيلها بأسلوب خاص.
ما يوضح لنا فكرة أن مصطلح “السرقة كفنان” تعني استلهام جوهر الأعمال التي تعجبك وتحويلها إلى عمل مبتكر، وهذه الرؤية تجد تطبيقا واضحا لها في عالم صناعة الأفلام.

كيف تسرق كمدير إضاءة وتصوير؟
حتى لا نبتعد عن الهدف الاساسي للتدوينة، خصوصاً وأننا نولي الإهتمام الأكبر في مدونة رديف بالمحتوى الموجه لمدراء التصوير والإضاءة، لذا دعونا ننظر إلى الطريقة التي يمكننا من خلالها الإقباس الفني كمصورين سينمائيين من أعمال غيرنا، وفي هذا الصدد أود إختصار الموضوع في خمس نقاط أجدها أساسية :
1 – حدد النمط البصري الخاص
الخطوة الأولى تعتمد على الذوق الفني، فتُلزمنا أولاً بتحديد النمط الفني – Visual Style الخاص بنا، ماهو نمطنا الفني في التصوير السينمائي؟ عادة ما يتم تحديد النمط الفني من خلال الإطلاع على أعمال عديدة لمدراء تصوير كُثر، وتحديد النمط المرغوب، يتكون النمط البصري السينمائي من مجموعة من الأُسس التي تنحت الشكل البصري للمادة الفنية، ونذكر منها :
الإضاءة : ماهو نمط الإضاءة المستخدم؟ هل هي حادة أم ناعمة؟ إتجاه الإضاءة (Upstage أم Downstage)، ماهي درجة الحرارة اللونية؟ وكيف تكون نسبة التباين بين الإضاءات المستخدمة؟ وهل نفضل الإضاءة عالية التباين – Low Key أم أننا نفضل الإضاءة منخفضة التباين – Hight Key؟
النمط اللوني : ماهي قوائم الألوان – Color Palette التي سنستخدمها في العمل؟ مامدى التشبع اللوني في الصورة؟ وما مدى كمية التباين بين الألوان؟ وكيف تتوافق الألوان مع بعضها البعض ومع طبيعة المادة الفنية؟ وكيف يمكن توظيف تلك الألوان في سرد القصة وغمر المشاهد في المادة؟
العدسات : هل سنستخدم عدسات حديثة أم عدسات قديمة – Vintage؟ عدسات أنامورفك – Anamorphic أم عدسات Spherical؟ هل للعدسات أي تأثيرات جانبية كالتشوهات البصرية مثلاً؟ ماهي طبيعة الفلير – Flare Appearance المنشودة في اللقطة؟ كيف تتصرف العدسة حين نقوم بتغيير فتحات العدسة؟ وكيف تؤثر على الصورة بشكل عام؟
حركة الكاميرا : كيف تتحرك الكاميرا وتتفاعل مع المشهد؟ هل تتحرك أصلاً ام أنها ثابتة؟ ماهي وسائل التحريك المتبعة وكيف خدمت القصة والعمل الفني؟
التكوين البصري : كيف تم تكوين اللقطات في العمل؟ وفق أي قاعدة وكيف تم ذلك؟ وكيف خلق مدير التصوير العمق في الصورة؟ وكيف تم تضمن خطوط التوجيه نحو العنصر في اللقطات؟
الإنتاج الفني : كيف يبدو موقع التصوير؟ وكيف ساهمت العناصر الظاهرة في الصورة بتكوين اللقطة وسرد القصة بشكل صحيح؟ كيف يبدو موقع التصوير؟
عند الإجابة على كل الأسئلة التي طرحناها، نستطيع معرفة النمط البصري الخاص بنا، وماهو الأقرب لما نريده، مما يسهل علينا بشكل كبير الوصول إلى نتائج قريبة لما نرغب به، والإقتباس منها بالشكل المناسب.
2- حدد الفلسفة الفنية الخاصة بك
كيف ترى العالم حولك؟ وكيف تترجم ذلك من خلال العمل الفني الخاص بك؟ هل تفضل الظلال أم الضوء؟ لماذا إخترت زاوية التصوير تلك وما البعد الفني لذلك؟ لماذا فضلت التصوير بحركة معينة في المشهد؟ وهل تفضل نسخ الواقع أم بناء نمط بعيد عن الواقعية؟ وكيف تترجم الضوء الذي تراه وتتفاعل معه في الحياة الطبيعية في الأعمال الفنية؟ هنا تحدد لنفسك كيف ترى وتترجم المشهد من النص نحو الصورة، بناء الفلسفة الفنية يأتي من خلال الخبرة والممارسة من جهة، ومن التحليل والمتابعة والتدقيق في بقية الأعمال المتوفرة، لذا للوصول إلى فلسفة خاصة يتوجب علينا الخوض أولاً في مجال العمل من جهة، والتحليل والمراقبة ودراسة الأعمال الفنية لمدراء تصوير لديهم انماط فلسفية مختلفة.
للتعقيب هنا، نود التذكير أننا نقوم بنشر سلسلة مخصصة على صفحتنا على إنستاغرام بعنوان: “تعرف إلى سينمائي” حيث نساعد بشكل مبسط بالتعريف بمدراء تصوير مختلفين من حول العالم، وماهي وجهات نظرهم وفلسفتهم، وآلية عملهم وأفكارهم، للإطلاع على المحتوى ندعوكم لمتابعتنا عبر صفحتنا الرسمية هنا.
3- بناء الكاتالوغ الخاص بك
هنا نقوم بجمع اللقطات، والأفلام، والأعمال التي تحتوي على منظور فني مشابه لما نريده، وفلسفة قريبة او مماثلة لما نرغب به، نجمعها في تصنيفات مختلفة، لتصبح لنا كمصدر إلهام وكاتالوغ خاص، ودفتر موحد يوضح لنا مانريده وما نرغب به.
نذكركم هنا أننا في مدونة رديف قمنا بالتعاون مع منصة Frameset، بتوفير خصم 25% لكل مشترك من خلال الرابط الخاص بمدونة رديف، منصة Frameset منصة متخصصة في جمع اللقطات وأرشفتها بشكل مرتب يسهل علينا البحث والتصنيف والحفظ، ما يسهل علينا بناء الكاتالوغ الخاص بنا، بإمكانكم الوصول إلى العرض من خلال الإشتراك عبر الرابط التالي : هنا.

4- دراسة من الكاتالوغ
الآن بعد أن قمنا بتكوين الكاتالوغ الخاص بنا، دعونا ندرس مالدينا من اعمال ولقطات، ندرس ونحلل الإضاءة، ونسبها، وقيمها، ولونها، وتأثيرها على رواية الصورة، ثم حركة الكاميرا، وسرعتها، وندرس كل تفصيل بصري موجود في كل لقطة، وكيف تتعدل الإضاءة لتلائم المشهد كاملاً خلال لقطاته كلها، وما الطريقة التي سعى مدير التصوير لخلق الإستمرارية في الإضاءة على كامل العمل، وكيف طبق فلسفته على العمل الذي نحلله، وكيف ساهم عمله في رواية القصة، وماهي الأدوات التي إستخدمها وكيف إستخدمها، في هذه المرحلة نقوم بعصر الخلاصة التي جمعناها في الكاتالوغ للوصول للعصارة الفنية من العمل، واستلهام الخطوات التي تسمح لنا ببناء نموذج قريب لما احببناه فيه.
5- من دراسة الكاتالوغ نحو التطبيق
حين نقوم بالتحضير لعمل فني مع المخرج وبقية الفريق الفني، كيف يمكننا تطبيق مادرسناه في الكاتالوغ، عن الإضاءة وانماطها والالوان والعدسات وحركة الكاميرا وغيرها من ما حددناه في الكاتالوغ الخاص بنا، انت هنا كرسام، لديك نمط رسم محدد، وتريد رسم لوحة فنية تتوافق بين نمك الفني ورؤية المخرج الفنية، تذكر ان المخرج لديه بالفعل نظرة فنية مبنية بالفعل لديه، ودورنا هو ترجمتها لتبصر النور بما يتوافق مع نمطنا البصري، ورؤيته الفنية.




هذه النقاط الخمس كانت ولا تزال وسيلة للتعلم والعمل، طبقتها بنفسي في عدة مشاريع عملت عليها، ويطبقها غيري بشكل متكرر، تختلف هذه النقاط التي تشكل لنا مفهوم الإقتباس الفني في التصوير السينمائي عن النسخ، النسخ هو التقليد كما هو، دون مراعاة للإختلاف المادة التي نعمل عليها مع المصدر الذي ننسخ منه، ودون الاجابة عن الاسئلة المتعددة التي طرحناها في الأعلى، نحن لسنا موجودين لننسخ فلسنا أدوات ذكاء صناعي لننسخ، بل نحن فنانون نتقبس ونطور ونكوّن ماهو جديد بما يتناسب مع المشروع في الدرجة الأولى.
اجمع، حلّل، استخلص، واستخدم ما استخلصته بما يتناسب المشروع.
في الختام، أود تذكيركم أنه بإمكانكم إرسال إستفساراتكم من خلال الضغط على تواصل معنا، كما بإمكانكم متابعتنا عبر حسابنا في إنستاغرام للمزيد من المحتوى الحصري.




