في عالم صناعة السينما والإنتاج المرئي، تلعب ملفات LUT (Look-Up Tables) دوراً أساسياً في التحكم بالمظهر البصري للأعمال الفنية، فهي الأداة التي تتيح للمصورين ومدراء التصوير وعلماء الألوان نقل المادة المصورة من صيغة لونية إلى أخرى، وإضفاء طابع جمالي محدد على الصورة، ومع تزايد استخدام ملفات LUT في المونتاج وتصحيح الألوان وأحياناً حتى في مرحلة التصوير عبر شاشات التصوير الخاصة بالكاميرات لمعاينة النتيجة النهائية، يكثر التساؤل حول كيفية اختيارها بشكل علمي صحيح، وما الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من صناع المحتوى عند استخدامها. هذه المقالة تستعرض بشكل مفصل ماهية ملفات LUT، آلية عملها، وأهمية معرفة المساحات اللونية التي صُممت لأجلها قبل تطبيقها على أي مشروع بصري.

ماهي ملفات LUT؟
ملفات الـ LUT والتي تختصر تسمية (Lookup Table) هي ملفات رقمية مكونة من مصفوفة أرقام تعطيك اختصار لعملية حسابية، في مجال تصحيح الألوان – Color Grading والتلوين السينمائي عند التعامل مع المواد المصورة، ملفات الـ LUT تقوم على تحويل قيم الألوان المُدخلة من الكاميرا إلى القيم اللتي نريدها في اللقطة النهائية.
لنبسط الشرح هنا، أريدك أن تتخيل معي جهازاً يعمل على تحويل أي تفاحة حمراء نعطيه إياها، إلى تفاحة خضراء، لو أعطيناه برتقالة أو ثمرة كيوي مثلاً، فإن الجهاز لن يعمل بالشكل المطلوب، ولن يعطينا النتيجة المرجوة منه.
هذا الجهاز بحد ذاته هو ملف LUT، يقوم ملف LUT بتحويل صيغة ملفات الفيديو من صيغة إلى صيغة أخرى، وذلك من خلال قراءة بيانات الفيديو، والتعديل على كل بكسل على حدى ضمن مصفوفة رياضية مبنية داخله ليقوم بتعديل الصورة بشكل كامل في النهاية.
لماذا نحتاج ملفات LUT في أعمالنا؟
تسهم ملفات LUT في تسهيل عملية إنتاج المادة المرئية، حيث أنها تسهم ببناء النمط اللوني للمشاهد، وتسرع عملية التصحيح اللوني، كما أنها تستخدم كمرجع لوني أساسي لإتباع النمط اللوني والمرئي الخاص بنا عند إنتاج المادة المرئية.
أنواع ملفات الـ LUT
يمكن القول بشكل مبسط عملي (غير تقني) أن هنالك ثلاث تصنيفات لملفات ملفات الـ LUT:
- الأولى Technical LUTs أو Transform LUTs : وهي ملفات مسؤولة عن التصحيح اللوني، وتعديل المساحة اللونية الموجودة لدينا إلى مساحة لونية وصيغة لونية أخرى Color Space Transform، حيث تعمل عمل المحول، فتحول لنا الألوان من صيغة إلى صيغة أخرى.
مثال ذلك:
تحويل لقطات مصورة بصيغة LOG (مثلاً S-Log, LogC, V-Log) إلى مساحة ألوان Rec.709، أو التحويل بين المساحات لونية مختلفة (كمثال التحويل من Rec.709 إلى DCI-P3 والعكس).
- النوع الثاني وهي Creative LUT أو Look LUT : وهي ملفات مسؤولة عن التعديل اللوني وإضافة الجماليات والألوان إلى الصورة، كالتأثير على التشبع اللوني والصبغة اللونية ودرجات الألوان وغيرها، وهي ملفات يمكن إضافتها للمادة المصورة لدينا لإضافة نمط لوني فقط إلى الصورة.
يوجد أيضاً نوع ثالث من ملفات LUT وهي ملفات Hybrid LUT : هذا النوع هو النوع الجامع للنوعين السابقين والذي يعدل لنا المساحة اللونية ويحولها من مساحة إلى أخرى، ويقوم بالتعديل اللوني والتأثير الفني، أيضاً في آن معاً، لكن غالباً ما يتم تفادي استخدام هذا النوع من الملفات، والفصل بين النوعين الاول والثاني لتوفير مرونة أكبر للتعامل مع المادة المصورة، كون أن هذه الطريقة في الفصل هي الطريقة المتبعة فنياً وعلمياً / تقنياً من المحترفين في التصحيح والتلوين السينمائي.
ملفات 1D LUT و ملفات 3D LUT
بالإضافة إلى التصنيفات التي ذكرناها في الأعلى، هنالك تصنيفين رئيسيين علميين وتقنيين لأنواع ملفات LUT، وهما 1D LUT و 3D LUT، يعمل كل نمط منهما بشكل مختلف عن الآخر

1D LUT : هو ملف يقوم بتعديل وتغيير كل قناة لونية من القنوات (الاحمر Red، الأخضر Green، الأزرق Blue) على حدى، وفق نظام رياضي لوغاريتمي، بحيث يقرأ كل قيمة في القناة اللونية في الصورة، ويحدد مستوى السطوع في ذلك البكسل، ثم يقوم ووفقاً للمعادلة الرياضية التي يمثلها بتعديل تلك القيمة وصولاً إلى القيمة النهائية الناتجة عن تلك المعادة، فيقوم بذلك بإضافة تعديل في القيم في كل بكسل في تلك القناة اللونية
مثلاً: لو قمنا بتطبيق ملف 1D LUT على التشانل اللوني / القناة اللونية الحمراء Red، فسيقوم بقراءة كل بكسل في تلك القناة اللونية، ففرضاً لو كان لدينا بكسل ما بقيمة R = 0.5 فسيقوم بتحويل قيمة ذلك البكسل الى مثلاً R = 0.6، وهكذا لو طبقنا هذا الملف على كل تشانل لوني سينتج لدينا تعديل في القنوات اللونية كل على حدى، لكن دون التأثير على المظهر الإبداعي أو طبيعة الالوان، فهو يقوم فقط بتعديل سطوع – GAMMA وتباين الألوان – Contrast في كل تشانل لوني على حدى.

3D LUT : هو ملف أكثر تعقيداً، فهو يتعامل مع كامل القنوات اللونية في آن واحد، ولا يراها فقط كمنحنيات، بل يراها من منظور ثلاثي الأبعاد (الاحمر Red، الأخضر Green، الأزرق Blue) ويتعامل ويؤثر عليها جميعاً ضمن المساحة اللونية المحددة له ضمن النظام الرياضي اللوغريتمي المُكون له، ولهذا تجدون صيغة هذه الملفات (cube.)، بحيث أنه يأخذ قيم القنوات اللونية الثلاث للصورة RGB، ويقوم بتحويلها بشكل مشترك مما يسمح له بالتعديل على السطوع – Gamma ، والتباين – Contrast، والتشبع اللوني – Saturation، والتصبغات اللونية – HUE
لاحظوا معي في المثال أدناه، تتوزع كامل الالوان في الصورة داخل المربع الموجود على يسار الصورة، حدود هذا المربع هو المساحة اللونية التي نعمل ضمنها، حين نقوم بإضافة ملفات 3D LUT إلى الصورة، فإنها تقوم بتعديل شامل لكل بكسل مُمثل داخل ذلك المكعب وتغيير موقعه، مما يؤثر ليس فقط على السطوع – Gamma ، والتباين – Contrast، والتشبع اللوني – Saturation، والتصبغات اللونية – HUE، بل حتى على التداخل اللوني بين القنوات اللونية ما سيسمح باضافة الطابع اللوني الخاص للصورة.

الطريقة الصحيحة للتعامل مع ملفات الـ LUT
من كل ما سبق شرحه، نجد أن كل ملف LUT يتوقع منا استخدامه ضمن مساحة لونية معينة – Input Color Space، ليعطينا نتيجة ضمن مساحة لونية أخرى – Output Color Space، فلا يصح استخدام اي ملف LUT على أي مادة بصرية لدينا لمجرد الحاجة للمظهر اللوني الذي يضيفه للصورة، هذا السبب العلمي هو أحد الأسباب التي تجعلنا ننتبه للمصدر الذي نحصل من خلاله على ملفات الـ LUT، فعلى تلك الملفات أولاً ان تتناسب مع المواد الموجودة لدينا

ليحول لنا الصورة إلى مساحة لونية Rec. 709
لذا فعلينا تجهيز المواد التي نريد تلوينها بما يتناسب مع ملف LUT الذي سنستخدمه، من خلال التأكد أن المواد التي لدينا تتوافق مع المساحة اللونية لمدخل ملف LUT، أو أن نقوم بتحويل الملفات التي لدينا من المساحة اللونية الخاصة بها، للسماحة التي يتوقعها منا ملف LUT
في المثال أدناه، لدينا لقطة مصورة بكاميرا ARRI Mini LF، وهي بمساحة لونية Wide Gamut 3, ARRI Logc3، لذا لإضافة ملف LUT والمصمم ليتوافق مع ملفات كاميرات Sony ذات المساحة اللونية S-Gamut3-S-Log3 يجب علينا تحويلها من صيغة ملفات كاميرات ARRI إلى صيغة كاميرات Sony، في المثال أدناه قمنا بذلك من خلال برنامج davinci resolve عبر أداة التحويل بين المساحات اللونية Color Space Transform، بعد هذا التحويل، أصبحت المواد لدينا جاهزة لإستقبال ملف LUT والذي سيضيف للصورة التأثيرات والمعالجة البصرية التي يحملها.

ثانياً علينا معرفة مصدر ملف LUT، بمعنى: من قام بتكوينه؟ هل هو مبني بشكل علمي دقيق؟ أم مبني من قبل هواة وصناع محتوى يسعون لزيادة دخلهم من خلال بيع ملفات غير دقيقة و “مخادعة” إن صح التعبير؟ ومع معرفة مصدر ملف LUT يمكننا حينها معرفة كافة التفاصيل المتعلقة به، كالمساحة اللونية التي يعمل من خلالها، ونمط الألوان الذي سيقدمه لنا، وما النموذج اللوني الذي يحاكيه لنا لو قمنا بتطبيقه على المادة الفنية؟
ولكي اشرح بعضاً من تفاصيل آلية بناء بعض ملفات LUT، هنالك ملفات تباع تحاكي في صيغة عملها النمط البصري واللوني لبعض بكرات الأفلام مثل: KODAK VISION3، فيقوم الفريق القائم على انشاء ملف ال LUT بتصوير مادة اختبار ببكرة الفيلم المراد محاكاتها، بحيث يظهر في اللقطة عناصر متعددة كشخص مضاء لتظهر ألوان بشرته ضمن المادة التي سيجري الأختبار عليها، ولوح Color Checker مضاء بشكل مناسب، ثم يتم تصوير ذات اللقطة بكاميرا ديجيتال (مثلاً : ALEXA MINI LF) مع وجود ذات الإضاءة وذات العناصر دون تغيير أي شيء.

يتم لاحقاً تعديل الألوان بطريقة علمية دقيقة لتصبح ألوان كاميرا الديجيتال (مثلاً : ALEXA MINI LF) تحاكي تماماً ذات ألوان وخصائص بكرة الفليم الذي استخدم في الإختبار، يتم لاحقاً حفظ هذه الإعدادات في ملف LUT بحيث تصبح جاهزة للإستخدام حين التصوير بذات صيغة الألوان في كاميرا الديجيتال تلك المستخدمة في بناء ملف LUT.

دون إطالة، من المهم أن نعرف مصدر هذه الملفات، ومن قام بتكوينها، وهل كانت مرحلة تكوينها مبنية على أسس علمية أم لا، وما هي المساحة اللونية المتوقع ادخالها لملف LUT وما المساحة اللونية التي سيعطينا إياها، كما من المهم جداً معرفة طبيعة المواد التي نعمل عليها، من أي كاميرا صورت، وما هي المساحة اللونية الخاصة بالمواد المصورة.
توفر شركات الكاميرات التي نستخدمها في الإنتاج اليوم ملفات LUT خاصة بالكاميرا وخصائصها وألوانها، مبنية على أسس علمية دقيقة، مثل ملفات LUT من :
سوني – SONY ، كانون – Canon ، ريد – RED ، آري – ARRI ، فوجي فيلم – Fujifilm
ضع في حسابك أن الثيم البصري للمادة الفنية يتكون قبل التصوير، وذلك من خلال مرحلة تصميم الإنتاج – Production Design، والإخراج الفني ورؤية مدير التصوير التي تبني كل الثيم البصري للعمل قبل البدء بالتنفيذ، ففي هذه المقالة لا نقول أن ملفات LUT هي أدوات سحرية تغير لك الثيم البصري للمادة الخام التي لديك، إنما هي أداة من الأدوات التي تسهم وتساعد في الوصول إلى الهدف المنشود من المادة البصرية النهائية.

في الختام، أود تذكيركم أنه بإمكانكم إرسال إستفساراتكم من خلال الضغط على تواصل معنا، كما بإمكانكم متابعتنا عبر حسابنا في إنستاغرام للمزيد من المحتوى الحصري.
دمتم مبدعين.
هل أعجبتك المقالة ؟ شاركها مع أصدقائك ..
مشكور جداً جداً على المحتوى الرائع والقيم ❤